أول يوم في المدرسة أقوم بحرقها

سافرت للمدرسة وكان اليوم خميس ولم يخطر ببالي سوى أني وجدت نفسي بالبص المتجه إلى أم جلالة وفي عصر نفس اليوم نزلت بالمدرسة ولأن التلاميذ كان لهم علم بقدوم مدرس جديد ما إن نزلت من البص وأنزلت اغراضي والتي كانت تتكون من شنطة ملابس وسرير حديد ومرتبة وكرتونة كتب لزوم الفراغ ، ما إن وقف البص وشاهد التلاميذ الاغراض تنزل من البص حتى هرعوا إليّ مرحبين ومستبشرين بقدوم المعلم الجديد وبكل حفاوة حملوا الاشياء وتساءلوا بينهم عن مفتاح المدرسة وعرفت من كلامهم أن المفتاح بطرف أحد التلاميذ فأسرع منهم اثنان صوب التلميذ وأما البقية فقد حملوا الاغراض واتجهوا صوب المدرسة وفي هذا الاثناء وصل المفتاح وقاموا بفتح المكتب ، ويا للهول وجدت مكتبا عبارة عن أربعة جدران فقط لا يحتوي على شيء سوى كرسي موسر بالحبل شبيه بكراسي المقاهي في ذلك الزمان ، جلست على الكرسي وقام التلاميذ بتركيب السرير وفرش المرتبة والملاية ، ولحسن الحظ أن بالقرية صهريج عالي بالقرب من المدرسة لا يفصله عنها إلا السلك الشائك ، أحسست بحفاوة متناهية من هؤلاء الصغار حيث قاموا بملأ عدد من الجرادل التي على ما يبدو كانت تستعمل في ري الشتول داخل المدرسة وبكل أدب قالوا لي : يا استاذ تفضل استحم من غبار البص لأن المشوار كان طويلا ، وجدتها فرصة أن ازيل عن نفسي وعثاء السفر شكرتهم وتنحوا على جانب من المدرسة حتى يتسنى لي الاستحمام وتغيير ملابسي وبالفعل استغليت المكتب كحمام ولا تنسى أن هناك عددا من الطشاته وعندما خرجت من الحمام إذا بمندوب من الشيخ النور عليه رحمة الله يدعوني إلى المسيد . فما كان مني سوى تلبية الدعوة خاصة وأن هذا هو الأب الروحي لكل القرية وهو بوابة الدخول إلى القرية وبالفعل عندما وصلته قابلني بترحاب شديد وسألني بعض الأسئلة تعرف من خلالها على والدي وأهلي وعرفت أن الرجل صاحب زخيرة كبيرة بالقبائل والانساب وشعرت من خلال وجودي عنده أني واحد من أبناءه فالرجل كريم لدرجة بعيدة من الكرم وغاية في الترحاب خصوصا عندما عرف أهلي حينها خاطب الجمع الموجودين وقال لهم"